القيود البيئية علي القطاع النفطي

18-12-2022

المؤلف: الدكتور / أحمد محمد بهي الدين رمضان

إنتبـه المجتمـع الدولـي لأهميـة المحافظـة علـي البيئـة، وأنهـا قضيـة لا تخـص دولـة بعينهـا إنمـا تمـس كـل الـدول، لذلـك عمـل علـي وضـع قواعـد للمسئوليـة الدوليـة عـن الأضـرار البيئيـة مـن خـلال الإتفاقيـات الدوليـة، وهـو مـا أكـده المبـدأ الحـادي و العشـرون مـن مؤتمـر الأمـم المتحـدة للبيئـة المنعقـد فـي استوكهولـم عـام 1972 بمسئوليـة الدولـة عـن الأضـرار البيئيـة التـي تلحـق بـدول أخـرى أو المناطـق التـي تقـع خـارج سيادتهـا الوطنيـة متـي كـان هـذا بسبـب أنشطـة تخضـع لسيادتهـا أو سيطرتهـا ، وأيضـاً إتفاقيـة عـام 1969 بشـأن المسئوليـة المدنيـة عـن أضـرار التلـوث بالنفـط التـي وضعـت قواعـد و إجـراءات دوليـة موحـدة فـي المسئوليـة عـن الأضـرار الناجمـة عـن التلـوث و ضمـان التعويضـات المناسبـة للمضـرور . كذلـك فـإن قانـون البحـار لعـام 1982 الـذي نـص فيـه ( بالمـادة 232 ) علـي أنـه ” تكـون الدولـة مسئولـة عـن الضـرر أو الخسـارة المنسوبـة إليهـا والناشئـة عـن تدابيـر إتخذتهـا … وذلـك فـي حالـة مـا إذا كانـت مثـل هـذه التدابيـر غيـر مشروعـة أو تتجـاوز المطلـوب بصـورة معقولـة فـي ضـوء المعلومـات المتوفـرة ،وتكفـل الـدول طرقـاً للرجـوع إلـي محاكمهـا لإتخاذ إجراءات بشـأن مثـل هـذا الضـرر أو هـذه الخسـارة ” . أكـدت (المـادة 235 ) مـن ذات القانـون فـي فقرتهـا الأولـي علـي أن” الدولـة مسئولـة عـن الوفـاء بإلتزاماتهـا الدوليـة المتعلقـة بحمايـة البيئـة البحريـة و الحفـاظ عليهـا ، وهـي مسئولـة وفقـاً للقانـون الدولـي ” . وعليـه أصبـح هنـاك قاعـدة دوليـة مستقـرة تتمثـل فـي إلتـزام الـدول بالمحافظـة علـي البيئـة وحمايتهـا . وهـو الأمـر الـذي أكـدت عليـه لجنـة القانـون الدولـي التابعـة للأمـم المتحـدة عنـد مناقشـة المسئوليـة الدوليـة بشكـل عـام، فقـد أشـارت بتقريرهـا بشـأن المسئوليـة عـن الأضـرار البيئيـة بـأن القانـون الدولـي المعاصـر قـد وصـل إلـي الإدانـة النهائيـة … للتصرفـات التـي تعـرض الحفـاظ علـي البيئـة الإنسانيـة وصيانتهـا للخطـر الجسيـم ، وأن الجماعـة الدوليـة جميعهـا تعتبـر أن مثـل تلـك التصرفـات أو الأفعـال تخالـف المبـاديء التـي أضحـت راسخـة بعمـق فـي الضميـر العالمـي ، وصـارت قواعـد جوهريـة للقانـون الدولـي عمومـاً . أصدرت نتيجـة لهـذا الإلتـزام الدولـي معظـم الـدول قوانيـن بيئية صارمة، منهـا القانـون الأمريكـي الـذي صـدر عـام 1990 بشـأن تلـوث النفـط و الـذي وضـع إشتراطـات بيئيـة شديـدة وهـذا كـان كـردة فعـل للكارثـة النفطيـة التـي حدثـت بسبـب الناقلـة Exxon Valdez فـي ولايـة ألاسكـا فـي (مـارس 1989) و نتـج عنهـا تسـرب أحـد عشـر مليـون برميـل نفـط. الأمـر الـذي جعـل الكونجـرس الأمريكـي يوافـق علـي هـذا القانـون الصـارم . وسع القانـون الأمريكي نطـاق مسئوليـة مـلاك السفن و مستغليها عـن الأضـرار التـي يخلفهـا التلـوث النفطـي، و أيضـاً وضـع شـروطاً قاسيـة و مواصفـات خاصـة فـي الناقـلات التـي تحمـل النفـط . وكذلـك ذهبـت بعـض الـدول العربيـة إلـي إصـدار قوانيـن حديثـة لحمايـة البيئـة منهـا القانـون المصـري رقـم 4 لسنـة 1994، و القانـون الكويتـي رقـم 21 لسنـة 1995 المعـدل بالقانون رقـم (16) لسنـة 1996 ، و القانون اللبنانـي رقـم (444) لسنـة 2002 . ولا شـك فـي إصابـة الشركـات النفطيـة بأضـرار كبيـرة مـن جـراء التعويضـات التـي تدفعهـا الشركـات عـن التلـوث النفطـي ،ففـي قضيـة الناقلـة Exxon Valdez السابـق الإشـارة إليهـا ، كلفـت عمليـة تنظيـف و إزالـة النفـط مـن الشاطيء أكثـر مـن مليـاري ومائـة مليـون دولار أمريكـي ، ورفعـت قضايـا كثيـرة للتعويض ضـد الشركـة Exxon ، و تـم تسويـة النزاعـات مـن خـلال دفع تعويـض قـدر بنحـو ” 11 مليـار دولار أمريكـي” . ومـن ناحيـة أخـرى، فـإن الإجـراءات فـي القوانيـن الداخليـة البيئيـة و إشتراطاتهـا تسبـب أضـراراً كبيـرة للشركـات النفطيـة ، بخـلاف أنـه يظهـر بيـن الفينـة و الأخـرى توجـه أوروبـي لفـرض ضرائـب بيئيـة علـي مصـادر الطاقـة بشكـل عـام، و منهـا بـلا أدنـي شـك النفـط، و هـي مـا تعـرف بضرائـب الكربـون التـي تفـرض علـي الأنـواع المختلفـة مـن الوقـود وفقـاً لمحتواهـا الكربونـي . تقـوم أيضـاً بعـض الـدول بإعطـاء حوافـز للشركـات الملتزمـة بالمواصفـات البيئيـة فـي صناعاتهـا منهـا علـي شكـل إعفـاءات ضريبيـة و جمركية علـي الالات والأدوات المستخدمـة فـي الصناعـة الغيـر ضـارة بالبيئـة أو تقـوم بمنـح أذون التلـوث ( Marketable Pollution Permits )، وهـي عبـارة عـن تصاريـح تمنحهـا الـدول للشركـات بحيـث تحـدد كميـة معينـة للتلـوث فـي منطقـة محـددة لا ينبغـي تجاوزهـا تستطيـع الـدول مـن خلالهـا إحكـام السيطـرة علـي معـدل التلـوث . وبخـلاف هـذه الإلتزامـات جميعهـا نشيـر أخيـراً إلـي بروتوكـول “كيوتو” الـذي عقـد فـي طوكيـو عـام 1997 فـي إطـار إتفاقيـة الأمـم المتحـدة بشـأن تغيـر المنـاخ الـذي يفـرض علـي الـدول تنفيـذ برامـج لتخفيـف حـدة الآثـار الضـارة للتغيـر المناخـي مـن خـلال تخفيـض مبتعثـات الإحتبـاس الحـراري الـذي يؤثـر علـي الغـلاف الجـوي . و أخيـراً يجـب علـي الـدول المنتجة للنفط محاولـة الوصـول إلـي معاييـر بيئيـة موحـدة مـع باقـي الـدول حيـث أن وجـود معاييـر بيئيـة مختلفـة فـي كـل دولـة سـوف يكـون قيـداً علـي حريـة التجـارة، و سـوف يستغـل فـي بعـض الأحيـان لمنـع دخـول سلعـة معينـة لدولـة مـا بحجـة عـدم مطابقتهـا للمواصفـات البيئيـة المطلوبـة فـي الدولة، وبالتالـي فـإنه سـوف يـؤدي إلـي تقويـض نفـاذ السلـع و المنتجـات إلـي الأسـواق ، الأمـر يفـرض أن تكـون الشـروط البيئيـة واحـدة و متفقـاً عليهـا مـن قبـل الـدول، خاصـة فـي ظـل عـدم تحديـد الأضـرار البيئيـة بشكـل دقيـق فـي بعـض المنتجـات ، كمـا حـدث بيـن الولايـات المتحـدة و فنزويـلا عـام (1994) عندمـا منعـت الولايـات المتحـدة الأمريكية البنزين المحسن المستـورد مـن فنزويـلا علـي إعتبـار أنـه يقـل فـي مستـواه عن المعايير الموجـودة داخـل الولايـات المتحـدة بموجـب القانـون الأمريكـي الصـادر عـام (1990) . وعلـي ضوئـه تقدمـت فنزويـلا بدعـوي إلـي جهـاز تسويـة المنازعـات فـي منظمـة التجـارة العالميـة ضـد الولايـات المتحـدة إستنـاداً إلـي مخالفتها لأحكـام الجـات الخاصـة بمبـدأ المعاملـة الوطنيـة، و أيضـاً مبدأ الدولة الأولي بالرعايـة .حيـث أوضحـت فنزويـلا بأنـه يوجـد بالأسـواق الأمريكيـة منتـج وطنـي مشابـه لمنتجهـا، كمـا أن الولايـات المتحـدة تستـورد منتجـات مشابهـة أيضـاً للمنتـج الفنزويلـي . شكلـت الهيئـة لجنـة للتحقـق مـن الإدعـاءات الفنزويليـة ، و التـي إنتهـت إلـي صـدق الشكـوي الفنزويليـة، و رفضـت دفـاع الولايـات المتحـدة بأنهـا لـم تخالـف أحكـام إتفاقيـة الجـات، وأن البنزيـن الفنزويلي يعامل أسوة بالبنزيـن المحلـي ، وإنتهـت الهيئـة إلـي أنـه يجـب علـي الولايـات المتحـدة تعديـل قواعـد تحديـد المقاييـس بمـا يتفـق مـع إلتزاماتهـا وفقـاً لإتفاقيـة الجـات ، الأمـر الـذي لـم ترتضيـه الولايـات المتحـدة، و قامـت بإستئنـاف الحكـم فـي (20 فبرايـر 1996 )، إلا أن الهيئـة الإستئنافيـة رفضـت الإستئنـاف و أقـرت الحكـم . لـذا يجـب أن تكـون هنـاك رؤيـة واحـدة فـي هـذا الموضـوع، فالبيئة ليـس لهـا حـدود و تتعـدي آثارهـا و آثـار حمايتهـا فـي ظـل الإتفاقيات و المعاهـدات الدوليـة نطـاق الدولـة الواحـدة ،فهـي محـل إهتمـام العالـم بأسـره لذلـك يجـب أن تكـون المعاييـر و المواصفـات البيئيـة محـل إتفـاق و تعـاون دولـي . المراجع : د.أحمد محمد بهي الدين رمضان ، مبدأ سيادة الدولة علي ثرواتها الطبيعية دراسة تطبيقية علي الثروة البترولية ، رسالة دكتوراه ، حقوق الاسكندرية ، 2010 ، ص297 وما بعدها . د.بدرية عبد الله العوضى ، أبحاث في القانون البيئي الوطني و الدولي ، بلا ناشر ، الكويت ، 2005 ، ص38. د. إبراهيم العناني ، الإجراءات الدولية لحماية البيئة البحرية في ضوء إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، مؤتمر حماية البيئة البحرية بجامعة الإمارات العربية المتحدة ، إبريل 1989 ، ص5. أنظر د. أحمد عبد الكريم سلامة ، نظرات في الحماية الدبلوماسية ودور فكرة الجنسية في المسئولية الدولية عن الأضرار البيئية ، مجلة الحقوق بكلية الحقوق ، جامعة البحرين ، المجلد الثاني، العدد الثاني، يوليو2005، ص45وما بعدها . Susan Bloodworth- Death on the High Seas: the Demise of Tovalop and Cristal- Journal of Land Use Environmental Law- Florida State University , Vol .13 ,No.2, Spring 1998 , P.7. أنظر د. جلال وفاء محمدين، الحماية القانونية للبيئة البحرية من التلوث بالزيت ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الإسكندرية، 2001، ص14. Joseph J.Chambers ,IN RE EXXON VALDEZ, Application of Due Process Constraints on Punitive Damages Awards-Alaska Law Review- Duke University , Vol .20 ,issue 2 ,P.197. أنظر د. سيد فتحي الخولي ، إقتصاد النفط، دار زهران، السعودية، ط4 ، 1995، ص75 وما بعدها . د.محمد إبراهيم محمود الشافعي، السياسة البيئية وتأثيرها علي الوضع التنافسي للصادرات الصناعية المصرية، مجلة العلوم القانونية و الإقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس، السنة46، العدد2، يوليو2004، ص258 وما بعدها. د.حسين عبد الله ، البترول العربي – دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2003 ، ص380 وما بعدها . William H.Lash , Restless in Seattle : Loboor, The Environment , and The WTO , C.S.A.B, November 1999, P. 7.